قصص قصيرة

السبت، 23 أكتوبر 2010

أصله فلاح



أصله فلاح كلمة تقال فى أغلب الأحيان ليس رفعا من شأن ذلك الشخص الذى توجه إليه ، بل تقال غالبا عندما نريد أن نقلل من شخص أو ربما نقصد به الإهانه فى زمن أختلت فيه المعايير واختلطت فيه فهم الأمور ؛ فعذرا لك أيها الفلاح فأنت ذات يوم كنت أبى ، وجدى ، وعمى ، وخالى ، وكل أفراد عائلتى بل أنه أنا ولى الفخر بذلك . فلو أردت الخوض فى الحديث لأبرز أهمية ذلك الشخص فى حياتنا سيطول الحديث ولن ينتهى أبدا .


 وبنظرة سريعة إلى الماضى القريب  سنجد ذلك الشخص قد صنع لنا بطولات وأمجاد وسطر لنا أروع الحكايات التى ترويها لنا كتب التاريخ الآن ، منذ أيام الحروب الصليبية ووقوف عامة الشعب من فلاحين وحرفيين مع الجيوش بأدوات الزراعة فى وجه عدو يريد أن يسلب منهم حريتهم حتى أسقطوه أرضا صريعا لا يقوى على الحراك وألحقوا بهم شر هزيمة ، وبنظرة إلى ماض أقرب قليلا من ذلك فسنجد ذلك الفلاح كان يقف يدا بيد بجوار المثقفين فى حروبهم ضد الاحتلال أثناء ثوراتهم عليهم ومساندته لكل الزعماء المناضلين بداية من عرابى حتى أخر مناضل فى عصر الاحتلال ، وعودة قليلا للخلف من هذا العصر نحو العصر الذى تولى فيه محمد باشا ولاية مصر من كان يسانده هو عامة الشعب من حرفيين وفلاحين ومثقفين إن كان هناك فى هذا الزمان مثقف واحد كلهم تحت قيادة شعبية واحدة بقيادة الزعيم الشعبى عمر مكرم ، ومن قبله هم من قاوموا الحملة الفرنسية بقيادة الزعيم الشعبى محمد السيد كريم ، ونجد مواقفهم البطولية تتجلى على مدار تاريخ هذا الشعب كجزء لا يتجزأ عن كيانه فكلنا جسد واحد نكمل بعضنا بعضا ولا يستطع أحد منا العيش دون الآخر .


 ما كتبت ذلك الموضوع إلا لأضع النقاط فوق الحروف وأعيد الصورة المقلوبة فى الأذهان لوضعها الحقيقى وما  أردت إلا أن أرفع من شأن ذلك اللفظ حتى يعلم كل من يقوله وكل من يوجه له مثل ذلك اللفظ فى أى مكان بأنه يحمل بين طياته كل التقدير والاحترام ولا يحمل من قريب أو من بعيد أى صورة من صور الإهانه .


 إلى كل من يوجه له ذلك اللفظ يجب عليك أن تفتخر بأنه موجه لك أنت وليس لشخص غيرك أتعلم لم يا صديقى الفلاح الذى أنا على قدر بسيط من العلم ولكنى أفتخر بأننى أنتمى لتلك الفئة من الناس التى أنت تقع بينهم ، لأنك أنت من صنعت ذلك المتعلم وأنت من جعلت هذا عالما فى مجالا ما من المجالات ، وأنت من جعلت هذا دكتور ، ومن جعلت هذا مهندسا ومن هذا ومن هذا أيكفى كل ذلك أم أرسل لك زيادة فى البراهين على أنه لفظ يجب الفخر به .


فيما مضى وكما أخبرتك من قبل صديقى الذى يقول ذلك اللفظ قاصدا به الإهانه من خلال العودة بآلة الزمن التاريخية نحو الماضى القريب من والسحيق ونظرة للحاضر بدلا من الماضى حتى لا تقول مجرد أوهام فى أوهام يقوم الفلاح كل يوم مع أذان الفجر فى الصباح الباكر وذلك على مدار الأسبوع بلا راحة دون أن يكل أو يمل تحت أشعة الشمس الحارقة فى الصيف وتحت هطول الأمطار فى الشتاء بأرجل عارية وبملابس تكاد تكون بالية لا تستر حتى الجسد الهزيل الذى يتوارى خلفها من صقيع الشتاء القارص ، وربما تجبره الظروف على العمل فى منتصف الليل تحت أى ظروف مناخية ؛ وأنت يا من تقلل من قدره تجلس فى بيتك مستظلا بسقفه من كل تلك الأمور منتظرا ما ينتجه لك من محاصيل زراعية حتى تستطيع أن تعد منها ما تأكله أثناء وجباتك اليومية الثلاث ، وأيضا لتصنع منها ما تلبسه من ملابس أثناء الشتاء حتى تحمى بها جسدك من برده وكل ملاذ الحياة التى تنعم بها الآن فالسبب فى وجودها هو ذلك الفلاح فقد جعله الله سببا ليخرج لك ما بباطن الأرض ما تشتهى إليه نفسك وما لا تشتهى ، ولتأتى معى ونتخيل حياتنا بدون هذا الفلاح ؛ فماذا ترى فيها ؟ سأترك الإجابة على هذا السؤال لك أنت ولم أجيب عليه حتى تعلم ما هى قيمته الحقيقية فى حياتك وإن لم تستطع الإجابة فأنك لا تستحق أن تحصل على ما ينتجه لك الفلاح من غذاء وكساء .


وإذا كان هذا اللقب مجرد إهانه فقط فأجبنى على سؤالى هذا ؛ لم تأكل من الثمار التى يقدمها لك كل موسم حصاد ؟ ولم تلبس تلك الملابس التى مكوناتها الأساسية هى من محصول ما ينتجه ذلك الفلاح ؟ لم تنعم بكل شئ يقدمه لك هذا الفلاح ؟ ألم تجعل فى عينك ذرة من الخجل عندما تنعم بكل هذا وتهين الشخص الذى يقدمها لك ؟ من أنت فى الأساس ؟ هل سألت نفسك ذات يوم من أنت قبل أن تكون بتلك الهيئة التى جعلتك تسخر وتهين ذلك اللفظ ؟ هل سألت نفسك كيف وصلت لهذه المكانة أو الدرجة العلمية التى جعلتك تهزأ دوما بذلك الشخص المسكين وتقلل من قدره ؟ .




عندما تصف شخص ما بهذا اللفظ وما تقصد به سوى الإهانة فعد إلى منزلك وأسرع نحو أبيك وأسأله من أنت فسيخبرك على الفور بأنك فلاح أبن فلاح . أتدرى لم سيخبرك بذلك ؟ لأن المهنة الأساسية فى أى بلد قبل قيام الصناعة وقبل وصولها لتلك المظاهر الحضارية فى الأصل هى العمل بالفلاحة وزراعة الأرض . إن لم تصدق قولى فأرجع لكتب التاريخ والمراجع التاريخية وأبحث فى كل حضارة من الحضارات ستجد صحة ما أقول ؛ فماذا كان أول عمل قام به المصريون القدماء قبل بناء الأهرام ؟ وكيف كان يحصل على غذائه ؟ ألم تعلم بـأنه كان يحصل على غذائه من صيد الحيوانات وأوراق الأشجار حتى أستقر على ضفاف النيل ومن ثم بدأ يعمل فى الزراعة كمهنة أساسية له ومن ثم أوجد الآلات الزراعية البدائية التى نجد صورها ونجد البعض منها فى المقابر والمعابد . ونترك الحضارات القديمة ونعود معا للماضى السحيق حيث كان نزول آدم عليه السلام إلى الأرض وهو أبو البشر أجمعين من الجنة ماذا فعل ؟ .


قام بزراعة الأرض من بعض ثمار الجنة وهذا كان أبى البشر وكلنا ننتمى إليه فإذا كان عمل بزراعة الأرض عفوا أقصد بالفلاحة ؛ إذا فمن أنت ؟ وتذكر دائما شيئين ...
الأول بأنه لا فرق بين عربى أو أعجمى .. ولا فرق بين فلاح ومتعلم إلا بشيئين رئيسيين التقوى والعمل الصالح .


والثانى ... بأنه مهما علا شأنك وأرتفع فأنك فى الأساس فلاح وأبن فلاح .....



Gamal Ayoub
22/10/2010
    


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تبحث عن قصيدة أو موضوع بعينه؟