جلست يومى لأحوار ذاتى وربما عقلى أو قد يكون الذى أحاوره هو قلبى ولكننى أجد أقرب ما يكون هذا الذى أحاوره هو ضميرى ؛ إن لم يكن ذلك الحوار يدور الآن بين من يقرأ تلك الكلمات وبين ضميره إذا كان ما زال حيا فعلا ولم يقتله بعده .
تلك الكلمات التى وجدت قلمى ينزف على تلك الوريقات بدمائه وهو يعتصره الألم والحزن ، ولا يمكننى أن أصف حالته وقتها فكان صوته يسمعه من يمر بعيدا عنه بأميال كان يصيح بأعلى صوت له متوجعا من آلامه قائلا آآآآآآآآه ماذا حدث بك أيتها العين ؛ ألا ترين ما يحدث هناك فى أبنائنا وأطفالنا وشبابنا ؟، أيتها العين ألا ترين تلك المرأة تبكى اليوم وتذرف دموعها وكأنها نهرا يفيض ؟، ألا ترون هؤلاء الذين يطردون من منازلهم ويشردون ؟، ألا ترين ذلك الطفل يقدم على الموت بكل جرأة فلا يهابه لأنه يعرف تماما ثمن ذلك الإقدام على تلك الخطوة ؟، ألم ترى ماذا حدث فى لبنان منذ عدة أعوام ؟.
فأنا أراه الآن وكأنه يحدث أثناء حديثنا هذا , ألا ترين هذا الغلام الذى لم يبلغ من العمر سوى الثانية عشر تغتاله يد آثمة أمام مسمع ومرأى من والده؟ يا إلهى ما أصعب على الإنسان أن يجد طفله وقرة عينه بل جوهرته التى أكتسبها فى تلك الحياة يطلب منه يد العون ولا يستطيع أن يمدها له ، يطلب منه طوق النجاة ولا يستطيع أن يلقي له به فى المياه ؛ أرأيت ذلك المشهد بوضوح أم كساك الغبار والرماد ولم ترينه لأنك لا تريدين ذلك ؟، حسنا أنظرى وتخيلى معى الآن بأنك تريه هناك فى تلك الزاوية وتحديدا وجهى نظرك لذلك البرميل بجوار الحائط أمامك فى تلك الصورة ماذا ترين الآن فلتخبرينى ؟ .
ماذا أرى؟ عذرا فأنا لم أرى شيئا ؛ ماذا ترى أنت أخبرينى لقد ضعفت قوتى ؟ ...
فور النطق بتلك الكلمات سمعته مسترسلا بضحكه ؛ قائلا ألا ترين حقا ؟ لا أيتها العين فأنت لم ترين ولكنك نسيت ما رأيته ذلك اليوم .
أنظرى معى ودققى نظرك فى ذلك المشهد الذى أرسمه لك على تلك الجدران ولتعودى معى إلى الخلف قليلا .
فقلت له فى أى اتجاه فأسترسل مجددا فى ضحكه وكأنه يسخر منى حقا فى أى اتجاه تعودين فلتستديرى حول نفسك مائة وثمانون درجة فقط وستجدين نفسك فى الاتجاه الذى أخبرك عنه وما زال من يحاورنى يضحك بهستيرية شديدة وكأن من أمامه أمتلك كل الغباء .
أيتها العين سنعود معا إلى الخلف دون اتجاهات لأننا سنعود معا بآلة الزمن الذى صنعتها من أجلك ، أذهبى نحو ذاكرتك وأبحثى فيما تملكين من ملفات بها حتى تجدين ذلك المشهد ربما تجدينه مكتوبا وما زال الحبر عليه سائلا لم يجف بعد ؛ أو قد تجدينه مشهدا مصورا إليك بالألوان الطبيعية دون تحريف أو تضليل ؛ أ وجدتيه الآن ؟ .
لا لم أجده .
كفى سأسرد أنا لك أحداثه لقد انتهيت فى حديثى عن ذلك المشهد عند ذلك البرميل الذى يوجد بقرب الحائط فى إحدى الزوايا ؛ ولكن أرجوك تخيلى معى ذلك المشهد كى لا تنسيه ثانية هناك يوجد طفل مختبئ خلف والده وهو يبكى من شدة الخوف وهناك شخص جبان يحمل سلاحا قد ملأه سابقا بالرصاصات ، لقد نسى ذلك الأحمق بأنه يستخدم تلك الآلة أمام شعب لا يملك سوى الحجارة ، ولقد نسى فى ذلك الموقف أن من يقف أمامه الآن هو طفل صغير وتجمد قلب ذلك الأحمق ذلك الوقت وأطلق برصاصاته على ذلك البطل الشهيد لم يعلم أحد عن أيهما كان يضبط نشان سلاحه أكان على الطفل أم على الوالد أم كانت طلقاته تخرج بطريقة عشوائية فى المحيط باحثة لها عن أى شخص لترشقه وتلتصق به ؟ ؛ ولكن ما عسى الوالد أن يفعل فى ذلك الحين ، فأنه لا يملك شيئا يستطيع أن يدافع به عن ولده فأخذه بينه وبين الجدران ولكن ذلك الأحمق أحسن النيشان فلقد ضرب عصفورين بطلقة واحدة كما يقولون .
أيتها العين التى لا ترين سوى ما يفعله الأطفال الصغار فى ذلك البلد المغتصب هناك الكثير والكثير من المشاهد التى تحدث كل يوما وكأننا فى مسلسلا لم تنتهى حلقاته بعد ولكنها ستظل مستمرة إلى أن يحكم فيها الإله ، ماذا نطقتى حينها ؟ يا من تهاجمى أهل ذلك البلد المغتصب وتصفيه بالهمجية والتمرد والإرهاب ؛ أتجعلين اليوم المحاربة من أجل الدفاع عن النفس ، عن العرض ، عن الأرض والوطن ، عن الدين إرهابا ؟.
إذا ما السلوك القويم الذى لا يعتبر إرهابا فى دستوركم ، أهو ما ترتكبه تلك الطاغية التى يطلق عليها بلد الستة ملايين شهيد هههههههه ؛ لقد تفجرت بطنى من كثرة الضحك اليوم أصبح من يحارب من أجل أرضه ووطنه ودينه يسمى متمرد همجى ومن يغتصب الأرض والنساء ويقتل الأطفال يسمى بالضحية أهذا كلام يعقل ؟.
ولكنى أعلم تماما لم ذلك الاعتقاد فله أسباب أولهما أن الرأسمالية لأكبر قوة فى العالم تمولها تلك المنظمات الصهيونية ، وهناك مثل يقول أطعم الكلب فتكسر أمامك عينه ولا يستطيع النباح عليك ذات يوم ، الثانية أنهم استطاعوا أن يسوقوا تلك المسألة بشكل جيد من قبل توفير كل وسائلهم الإعلانية لتلك القضية ، وذلك من خلال إبراز إعلامهم بأنهم ضحية نصف قرن كامل بداية من المحرقة التى أتمنى أن يخرج واحدا ربما يكون من صلب العرب ، ولكن أعتقد بأن ذلك لم يحدث لخوف كل واحدا على مركزه ، أو ربما قد يكون ليس عربيا ويقوم بعمل تلك المحرقة ثانية ، وهنا لا يهم ماذا تكون هويته ولكن المهم بأن شخصا يستطيع أن يفعلها .
وفى المقابل وجدوا العرب متفرقين والخلافات بينهم تحدث ولا تنقطع ، ففى نهاية القرن الماضى قامت العراق بالهجوم على الكويت وفى ذلك الحين لم يفطن القادة حينها بأنها عبارة عن عظمة ملقاة فى وسط الطريق يلهث عليها ........ .
ومن ثم يتشاجرون وتنتهى تلك الشجارات بحكم أجنبي ــ قوة الاتحاد الدولى ــ تقف على الحدود فهى صورة من صور الاستعمار ووجدنا الكذب يتقدم تلك الرواية السخيفة المعدة من قبلهم ، ولكن لم يستطع احد رؤيتها بالشكل الصحيح من القادة فى ذلك الوقت وبدأنا نجد بعض البلدان العربية تكرس قواها الحربية للدخول فى تلك الحرب مناصرة للكويت ؛ فماذا كان حدث لو أنهم فعلوا ذلك كانت اجتمعت العراق والكويت ومصر والأردن والسعودية وكل البلدان العربية والإسلامية فى قبضة رجل واحد وقرروا دخول فلسطين ودحر ذلك العدو الغاشم واستئصال ذلك المرض من وسط مجتمعنا ومقدساتنا الدينية وأخذوا من الماضى عبرة من حرب أكتوبر الذى حقق فيها الشعب المصرى نصرا كبيرا على إسرائيل مع أن أمريكا كانت تدعمها فى تلك الحرب ؛ وما حققته سوريا من انتصارات على أرض الجولان ؛ وما حققه المسلمون قديما عند اتحادهم فى معركة عين جالوت ومعركة حطين والمعارك التى خاضها الشعب العربى مع الصليبين وغيرهم ؛ ماذا لو نظروا فى التاريخ الإسلامى القديم كم من بلاد فتحها المسلمون القدامى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأيام صحابته ؟ فماذا سيفعلون ؟؟ ماذا سيفعلون ؟؟؟ .
أيتها العين استرجعى الماضى وما به من ذكريات سترين ما يحدث فى فلسطين رؤية لا يعيبها شئ أثناء التصوير ولكنك لا ترين ؛ أنظرى فى تاريخ العرب والمسلمين قديما وحديثا وستجدين الطريق الذى من خلاله يمكنك العبور والزحف نحو النصر ، ولكن أفعلى ما يأمرك به رب العزة حين قال ؛
بسم الله الرحمن الرحيم
ــ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ـــ
صدق الله العظيم
لا أعلم ضمير من الذى كان يتحدث ربما يكون ضمير أمة مقطعة إلى أجزاء تفصل بينها الحدود السياسة واعتقدوا بأنهم شعوب منفصلة ونسوا بأن هناك شيئا أخر يجمع بينهم بقوة ورابط أقوى بكثير من تلك الحدود الذى إذا نظروا إليها جيدا سيحطمها بكل تأكيد .
ربما تلك العين اعتبرتها الرأى الدولى الذى لا يرى شيئا مما تفعله إسرائيل فى هؤلاء الشباب والأطفال والنساء والرجال ، وقد يكون موجها للضمير العربى الذى مات منذ عقود طويلة جدا اقتربت من السبعة عقود .
فلا يهم من ذلك الضمير ولكن يهم بأن هناك ضميرا عاد من بين الأنقاض يحاول تصحيح ما حدث من أخطاء ، وليخبر الجميع بأن عيونهم ترى كل شئ يحدث ولكنها تهمله أو تتناساه وكأنه لا يحدث .
وأخيرا ما حدث مع قافلة الحرية والكل قام وسمعناه يدين ولكن هل نجد شيئا أكثر من الإدانة بتلك الوحشية ، وما هى القرارات التى يتخذها العرب الآن فى اجتماعهم الطارئ بجامعة الدول العربية ؟ وما هى القرارات التى سيتخذها مجلس الأمن الذى تسعى قطر بانعقاد جلسة طارئة له أيضا ؟ ما هى القرارات التى ستتخذها المحكمة الدولية فى القضية التى أرسل إليها إسماعيل هنية فى خطابه الرسمى الذى تلى أحداث تلك الكارثة ؟ هل قادة إسرائيل ستطولهم يد تلك المحكمة أم أنها ما زالت قصيرة وضعيفة لم تستطع الصمود أمامها ؟ وإنها لم تنشأ إلا للعرب وكل بلد لدى تلك الدول مصلحة اقتصادية ؟ .
كل تلك الأسئلة سنعرف الإجابات عنها فى الأيام القليلة القادمة وإن لم تكن الإجابات كلها معروفة وسنرى الجواب واحد فى كل هيئة من تلك الهيئات الصمت ولا شئ سوى الصمت مثل الاجتماعات القديمة والقرارات السابقة لم تجد شيئا سوى الأدراج لتوضع بداخلها ومن ثم ينتهى بها المصير طى النسيان .
جمال أيوب
2/6/2010