قصص قصيرة

الأربعاء، 3 نوفمبر 2010

عــــــــــودة بطــــــــــــل


مع شروق الشمس كل صباح تذهب نحو الترعة بين الحقول الخضراء على أمل النهوض بتلك الأشعة الذهبية لترسل معها تحية الصباح اليومية ودعواتها إلى هذا الحبيب الذى ذهب وتركها على أمل العودة محملا بفرحة النصر لتكون فرختها بعودته فرحتين فرحة الحبيب الغائب منذ زمن ، وفرحة عودة الحبيب المنتصر الذى أعاد لذلك الشعب هيبته بعد انكسار دام لمدة ستة سنوات كاملة ، ليرسم بعودته دموع الفرح ويمحى بها دموع الحزن والألم التى لازمت هذا الشعب بعد ما حدث فى نكسة يوليو 67  ومع المساء تذهب فى نفس الاتجاه  لتلحق بالشمس قبل أن ترحل ويكسو الظلام المكان لعلها تجد معها رسالة من أرض الحبيب التى تجهل أين تقع أراضيه يخبرها فيها عن أحواله وكيف تسير الأمور فى أرض القتال ؛ كم من الأعداء قد قتل ؟ وكم قد أسر ؟ وكم من أبطالنا قد نال شرف الشهادة ؟ وكم وكم .... فهناك الكثير من الأخبار التى تريد أن تعرفها . 


وتدور الكثير من الأفكار فى رأسها الصغير الذى يشبه تلك القرية التى تسكن بها ، وهى عبارة عن عالمها كله فلا تعلم شيئا خارج حدوده سوى الحبيب المنتظر بلهفة وأشواق . الجميع من حولها يتهامسون بإمكانية حدوث حرب فى الشهور القليلة القادمة وقد تكون خلال أيام ؛ ولكن القيادة من حولها تكذب ما يذاع من حولها من خلال أخبار الجبهة التى تذاع على مدار اليوم بالراديو . الجميع يمنون أنفسهم بقيام تلك الحرب اليوم قبل الغد ، ولكنها تشعر بصدق ما يذاع فى البلدة على لسان أهلها بأن حرب التحرير اقتربت من الاندلاع فقد منعت الأجازات منذ شهرين لا يوجد جنود ذاهبون أو جنود عائدون فالكل فى معسكره مقيم ؛ وتسير فى طرقات القرية تائهة باحثة بين الوجوه على وجه واحد ؛ وتنظر إلى أصابع يدها متأملة ما تحتويه فإذا بها تجد وعد العودة والإياب الموثق من قبل الحبيب بدبلة الخطوبة .


فتذكرت تلك الليلة وما حدث فيها من أحداث ، مرت أمامها مشهد مشهد  من بداية اليوم حتى نهايته ، فالجميع موجودون الفرح والبسمة يملأ الوجوه والآن قدم إليها فارس الأحلام ليقدم لها ميثاقه بالعودة ثانية مهما طال الغياب وهى تمد  يدها له فى بابتسامة الفرح ممزوجة بالخجل ليكتب عليها أنت حياتى ولا حياة سواك ؛ فابتسمت بابتسامة تملأها الدموع دموع الشوق والحنين ، وبدأت تتحدث مع القمر تسأله عن أمر الحبيب .


نبأ العبور يذاع على كل المحطات عبر الراديو والجميع فى طرقات القرية يصيحون ويتغنون بأناشيد حب الوطن ، والكل يتلقى التهانى والتهليل بأسم الله ينتشر فى المكان وكأن اليوم هو يوم العيد ، ولم لا نعم فهو عيد النصر ، عيد العبور ، عيد الأبطال . لقد عبرنا القناة تقال من الجميع ، أم أحمد ، وأم محمود ، الحاج محمد السمكرى ، والحاج محمود البقال . والجميع ملتفون فى دوار العمدة حول المذياع لمتابعة أخبار العبور الكل يترقب بشغف .


مرت أيام بعد النصر وبدأت المراسلات تأتى لأهل الجنود الذين نالوا الشهادة فى أرض القتال لتقدم لهم العزاء فى فقدان الأبطال ، ولم تستلم مثل تلك الرسائل فحمدت الله وظلت على أمل بأنه سيعود وكلما أقترب اليأس من الانتصار عليها هزمته بعزيمة الأبطال وتنظر على الميثاق الذى تركه لها في يدها .


 ومرت الأسابيع فلا أخبار ولا اتصال ، تترقب وأهل القرية المذياع كل يوم لعلهم يسمعون أخبار عن أبطالهم الذين لا يعلمون عنهم شيئا ، فلا خبر . ها هو يقترب من بعيد يسير بين الحقول ، لقد عاد الحبيب البطل من معركة رد الشرف . لقد عاد ليفى بوعده لقد عاد .


أسرعت مهرولة فى اتجاه القادم من بعيد وهى تصيح لقد عاد ليفى بوعده لقد عاد ، فأسرع خلفها الجميع ليستمعوا إلى ما حدث على لسان أحد الأبطال ، ويسأل كل واحد منهم عن ولده الذى كان هناك وكأنها تطوى الأرض بخطواتها فلا يستطيع أحد النهوض بها ؛ نعم لقد وصل ولكنه ليس هو بل هو صديقه الذى خرج معه من هنا ؛ فأعطاها خطابا يحمل أسمها بداخله شئ يشبه الدائرة ، فجلست مكانها تنظر فى أمر الخطاب والجميع من حولها ينظرون لذلك البطل العائد ويتهافتون عليه بالأحضان وبدموع الفرح ممتزجة بطعم النصر .


حبيبتى


لا أنكر بأنك كل حياتى ، فأنت مهجتى وسعادتى ، وأنت قرة عينى ، فلا تبكينى ذات يوم عندما تقرئين تلك الكلمات ولكن أبتسمى وإن كان هناك داع للدموع فاجعليها دموع الفرح لأننى حينها سأكون البطل الشهيد ، فلا تلومينى على طول الغياب ، فإن كنت قد غبت عنك طويلا فأنت لم تغيبين عنى لحظة واحدة ، فكنت أنت قمرى أثناء الليل الذى أسامره ، وأنت شمسى أثناء النهار ، وأنت مائى وقت العطش ، فكنت أجد صورتك أمامى على حبات الرمال ؛ فلا تطلبين منى اليوم الوفاء بالعهد الذى بيننا لأن كان لدى عهد قديم نسيت أن أخبرك به قبل الرحيل ، عهد قطعته بينى وبين حبيبتى الأخرى وقد وفيت به ؛ فقد كنت أكذب عليك عندما أخبرك بأن ليس فى حياتى سواك ولكن كان لدى حب وعشق أخر كنت أسامر به النجوم فى غفلتك ، فكنت أعشق هذا البلد وقطعت له العهد ووهبت نفسى لحمايته واسترداد كرامته واليوم أوفيت بوعدى معه . وها أنا أعود إليك بروح بلا جسد ، بقلب ظل يهتف باسمك حتى النهاية ، وعين مشتاقة لرؤيتك حتى أغلقت . كم تمنيت أن أدفن معى كل شئ قد يذكرك بى ولكن أخبرنى الجميع بألا أكون قاسيا القلب معك وعلى أن أحررك من قيود العهد الذى بيننا  فأرسلته لك طالبا منك السماح لعدم قدرتى على الوفاء بوعدى لك لأننى اليوم فى حياة غير الحياة ... عذرا حبيبتى أتركى خلفك تلك الأيام الماضية وهذه الذكريات باحثة لك عن حياة أخرى تمنحك السعادة التى سلبتها منك ....
أمنياتى لك بحياة أبدية مع السعادة .




صمتت لحظات من الزمن ثم استرسلت فى الضحك بعد نفس عميق خرج وكأنه هو الروح ....
حبيبى يا بهجة الفؤاد والعين ، يا من تسكن الأنفاس ، وتسرى بداخلى مسرى الروح والدماء ، يا من بالفؤاد سكناك لا تعتقد أنك قد سلبت منى السعادة وتركتنى للشقاء والأحزان ؛ فاليوم أنا زوجة البطل ، فأنت السعادة والحياة ، فإذا أسكنك الجميع التراب ... أنا قد أسكنتك سابقا الروح والفؤاد ... وداعا يا من سلبت منى الحياة اليوم و منحتنى كل السعادة وأسباب إقامة الأفراح لأعوام وأعوام ؛ على وعد منى بألا أنساك يوما ، وإذا حاول النسيان الاقتراب من ذاكرتى سأمحوه من قواميس الذاكرة عندى لأنساه ولكنى أبدا ما أنساك .....




تـــــــمــــــــــت

Gamal Ayoub
2/11/2010






تبحث عن قصيدة أو موضوع بعينه؟