فتاة فى ربيع شبابها ؛ فهى لم تتعد سن العشرين بعد طالبة بإحدى كليات القمة ميسورة الحال تمتلك قدرا من الجمال لا بأس به ما لم تكن غاية فى الجمال فسبحان من صور هذا الشكل الحسن وقعت فى براثن الحب ، وكما هو معروف عن الحب عند الكثيرين بـأنه مجرد علاقة ذات قيمة غالية قد يدفع أغلب الناس حياتهم بحثا عن حبٍ صادقٍ فى حياتهم ، وإن مثل هذا الحب من إحدى صفاته الطهارة والنقاء والصدق والوفاء وكل الصفات الحميدة .
نعم براثن الحب عندما نجد كل الصفات الحميدة تحولت إلى مذمومة فإن بذلك يكون الشخص قد وقع فى براثن الشيطان لأنه دائما ما يزين لنا الفعل القبيح على أنه حسن ، وإن كان سيحدث ذات يوم فليحدث الآن إذا ما دام سيحدث .
الفتاة منذ نصف السنة الماضى فى الجامعة بدأ شخصٌ يطرق أبواب قلبها بعد أن عاهدت نفسها ألا تفتح ذلك الباب لأى طارق عليه ما يريد سوى نزوة واحدة أو عدة نزوات ثم يتركها تواجه مصيرها وحدها ، وحتى إن أتى إليها طارق صادق فى مشاعره يرغب فيها شريكة له فى هذه الحياة وأما لأطفاله فأنها لن تفتح له أيضا لأنها لا تستطيع أن تفرق بين الحسن منهم وبين القبيح من كثرة ما سمعت عما يحدث بين شباب الجامعات ، ولكن بعد مرور عامها الثانى وفى بداية عامها الثالث فى الجامعة وجدت قلبها يفتح أبوابه على مصراعيها لفتى وسيم وذو ظل خفيف كلماته كنسمة الربيع عندما تلاطف الوجوه كانت تقع على مسامعها كوقع قطرات الندى على ورق الأشجار فى خفتها وصوتها العذب الناتج عن اصطدامها بتلك الوريقات .
حاولت أن تغلقه كثيرا فما استطاعت أن تفعل له شيئا وأبى الانغلاق وكأن مفصلاته قد كساها الصدأ لا تريد أن تتحرك ؛ فسلمت الأمر لقلبها ولنزواته وقالت له أفعل ما تشاء ولكن لا تأتِ بعد ذلك ، وترسل من حولى دموع الندم حيث لا يوجد وقتها شئ للندم ، ومرت الأيام سريعا بها فما وجدت نفسها إلا وهى فى صالات الرقص المكتظة بالفتيات اللائى لا تعلم عند رؤيتهن هل هن فتيات أم ضمن الشباب ؟ والعكس بالنسبة لأمر الشباب فالجميع فى ذلك المكان واحد يتراقصون ويتمايلون ويشربون
ويسكرون .
ومرت الليلة الأولى لها بينهم فى أمان دون شراب ودون الانخراط معهم فيما يفعلون وتمر بها الأيام سريعة وتجد نفسها تقع ضحية لمؤامرة دنيئة من الشخص الوحيد التى استأمنته على قلبها وجدته يغدر بها ويطعنها فى ظهرها بسهامه المسومة عندما استيقظت فى اليوم التالى ووجدت نفسها فقدت أعز ما تملك فبدأت تنخرط فى البكاء وانسكبت دموعها على وجهها مثل النار تكوى الأماكن التى تمر عليها ولكن لا فائدة للندم .
كانت تلك الليلة بدايتها مع طريق الهلاك وأصبحت تذهب كثيرا لهذا الفتى وسلمته نفسها ونسيت بأنه هو من دمرها .
فى البيت قد لاحظت الأم بعض التغيرات تطرأ على أبنتها بدأ اهتمامها بملبسها وبمنظرها الخارجى يزداد ، ومكياجها التى لم تكن تضع منه إلا القليل الآن أصبح على وجهها زائد عن الحد وفى الليلة المشئومة بالنسبة لتلك الفتاة زادت ملامح التغير عليها وتأكدت الأم من صدق شعورها ؛ فأخبرت والدها عن تغير أبنته فبدأ يراقبها عدة أيام كلما خرجت من البيت خرج خلفها محاولا أن يعلم سبب التغير الذى طرأ فجأة على ابنته .
واليوم كانت الصدمة الكبرى عندما خرجت أبنته من الجامعة بدلا من التوجه إلى المنزل كالعادة غيرت خط سيرها وبدأت تسير فى اتجاه معاكس ظل خلفها حتى وصلت إلى إحدى العمارات الفاخرة وصعدت إليها فأقترب الوالد من الأمن مستفسرا إلى أى شقة تقصد تلك الفتاة التى صعدت منذ دقائق معدودة ـ أبنته ـ فأخبره بأنها ذاهبة إلى شقة رقم 15 فى الدور الثامن فصعد خلفها .
وأطرق باب الشقة ؛ ففتح الباب ويا ليته ما فتح وما صعد من الأساس وجد أبنته فى أحضان شاب لا يعرف شيئا عن الأخلاق فأمسك برقبته يريد بذلك أن يخنقه فحاولت الفتاة أن تدافع على فتى أحلامها الموهوم ومن دمر حياتها فما استطاعت أن تخلصه من يد أبيها وكاد الفتى أن ينتهى ويسقط صريعا على الأرض فأمسكت بالفاظة من فوق الطاولة وضربت والدها على رأسه فسقط على الأرض صريعا والدماء من حوله تسيل ....
وبدأت الفتاة تصاب بهستيريا من الضحك والبكاء ربما الضحك بأنها أنقذت فتاها من الموت ؛ والبكاء على أنها أنهت حياة والدها وكتبت نهاية مأسوية لها ، وقد يكون الضحك بأنها قتلت من يستحق الحياة وأنقذت من يستحق الموت .
استيقظت من نومها فزعة بصرخة يملؤها الألم مما فعلت وظلت تنادى بعيون دامعة على والدها الذى أسقطته صريعا على الأرض غارقا فى دمائه يئن من جراحه الذى أحدثت شرخا فى حياة عائلتها بالكامل ، والدموع من عينها تتساقط كالنار تلتهم ما تصل إليه من خدها ومن جسدها وتشعر بأنها انتقلت من حياة الدنيا إلى حياة الحساب لا تدرى بشئ من حولها ؛ وأثناء تلك اللحظات تسمع صوت أقدام تقترب من باب الغرفة ويهمس إليها بنيتى ما بك ؟ لم هذا البكاء ؟ ....
فلم تصدق ما سمعت ، هل هذا هو صوته حقا ؟ هل هذا هو حقا والدها ؟ ، إذا فماذا كانت تلك الأحداث المرعبة التى حدثت منذ قليل ولم يمر عليها سوى دقائق معدودة ؟؛ فاتجهت مسرعة نحو الباب لتلقى بنفسها بين أحضان والدها وهى تبكى وتعتذر له على ما بدى منها فى ذلك الكابوس الفظيع ، وأقسمت منذ ذلك اليوم ألا تسلم قلبها لأى شخص كان تحت مسميات ذلك السرطان القاتل الذى يجعل العقل يغيب مع شخص لا يريد سوى إرضاء غريزته الحيوانية متجاهلا فى ذلك تعاليم كل الأديان السماوية التى تجرم ما يفعل ؛ وأنها لن تسلم مفاتيح قلبها ذات يوم إلا لشخص واحد فقط يخاف الله فيما يفعل ويراقبه فى كل شئ ، وحتى تتأكد بأن كل أفعاله تحكمها قواعد وتقاليد ديننا الحنيف و أنها لا تريد أن تشعر بطعم زائف للحب ، ولا تريد أيضا أن تقع فى براثن شيطان الأنس والجن الذى يجعل من المحرم حلالا ومن الحلال حراما ، وأن تحافظ على عائلتها وأن ترسخ كل ما نريد من عادات وتقاليد حسنة فى أذهان أبنائها وتخبرهم عن المعنى الحقيقى للحب بعيدا عن مكائد الشيطان و شباكه الملقاه فى كل جوانب الحياة .
ومع كل ذلك ظل ذلك المسمى الذى لوثه براثن ذلك الشيطان الأنسِ يعنى لها كل الحياة ولكن فى حدود يجب ألا يتخطاها ، وإذا حدث وحاول أن يتعداها فسوف تقتله بيدها قبل أن يقضى عليها .
وظلت معترفة بمعناه الحقيقى هو التضحية بكل ما نملك وما لا نملك من أجل سعادة من نحب ، وهو أيضا الخوف على من نكن لهم ذلك الشعور من أى شئ قد يسئ إليهم حتى ولو من أنفسنا ؛ وتدافع عن معنى تلك الكلمة بين صديقاتها وتظهر لهم الأوجه الكاذبة والخادعة وبراثينه الكاذبة حتى لا تقع إحداهما فيه وحفاظا على معناه الحقيقى من التلوث بأمراض البشر الذين لا يخافون الله فيما يفعلون ويأخذون منه قناعا خلف أفكارهم الشيطانية للإيقاع بضحايا بريئة كل ذنبها أنها تريد تذوق طعم ذلك الشعور وتبحث عن السعادة التى يتحدث عنها المحبون الحقيقيون فى كل مكان ومن ثم يتحول إلى كابوس فظيع لا يعلمون عنه شيئا إلا بعد الاستيقاظ من الحلم السعيد الموهوم ........
تمت
جمال أيوب
5/4/2011